كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و{ظَنَّ السَّوْءِ}: هو ما كان بغير الإذن؛ ظنوا أَنَّ الله لا ينصر دينَه ونَبيَّه عليه السلام.
{عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ}: عاقبته تدور عليهم وتحيقُ بهم.
{وَلَعَنَهُمْ}: أبعدهم عن فضله، وحقت فيهم كلمتُه، وما سبقت لهم- من الله سبحانه- قِسْمِتُه.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّآ أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا}.
{أَرْسَلْناكَ شَاهِدًا}: على أُمَّتِكَ يوم القيامة. ويقال: شاهدًا على الرُّسُلِ والكتب.
ويقال: شاهدًا بوحدانيتنا وربوبيتنا. ويقال: شاهدًا لأمتك بتوحيدنا.
{وَمُبَشِّرًا}: لهم مِنَّ بالثواب، {وَنَذِيرًا} للخَلْق؛ زاجِرًا ومُحَذِّرًا من المعاصي والمخالفات.
ويقال: شاهدًامِنْ قِبَلنا، ومُبَشِّرًا بأمرنا، ونذيرًا من لَدُنَّا ولنا ومِنَّا.
قوله جلّ ذكره: {لِّتُؤْمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.
قرئ: {ليؤمنوا} بالياء؛ لأن ذكر المؤمنين جرى، أي ليؤمن المؤمنون بالله ورسوله {ويعزروه} {وينصروه} أي الرسول، {ويوقروه}: أي: يُعَظِّموا الرسولَ. {وتُسَبِّحوه}: أي تُسَبِّحوا الله وتنزهوه بكرة وأصيلًا.
وقرىْ: {لتؤمنوا}- بالتاء- أيها المؤمنون بالله ورسوله {وتُعَزروه}- على المخاطَبة. وتعزيرُه يكون بإيثاره بكلِّ وجه على نَفْسك، وتقديمِ حُكْمهِ على حُكمِك. وتوقيرُه يكون باتباع سُنَّتِه، والعلم بأنه سيِّدُ بَريَّته.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَأ يُبَايِعُونَ اللًّهَ}.
وهذه البيعة هي بيعة الرضوان بالحديبية تحت سَمُرَة.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عثمانَ رضي الله عنه إلى قريش ليُكلِّمَهم فأرجفوا بقَتْلِه. وأتى عروة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:
جئتَ بأوشاب الناس لتفضَّ بَيْضَتَكَ بيدك، وقد استعدت قريش لقتالك، وكانِّي بأصحابك قد انكشفوا عنك إذا مسَّهم حرُّ السلاح! فقال أبو بكر: أتظن أنَّ نسلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟
فبايعهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم على ان يُقاتِلوا وألا يهربوا، فأنزل الله تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ}: أي عقْدُك عليهم هو عقد الله.
قوله جلّ ذكره: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيِهمْ}.
أي {يَدُ اللَّهِ}: في المنة عليهم بالتوفيق والهداية: {فَوْقَ أَيْدِيِهمْ} بالوفاء حين بايعوك.
ويقال: قدرة الله وقوته في نصرة دينه ونصرة نبيِّه صلى الله عليه وسلم فوقَ نَصْرِهم لدين الله ولرسوله.
وفي هذه الآية تصريحٌ بعين الجمع كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].
قوله جلّ ذكره: {فَمَنَ نَّكَثَ فإِِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}.
أي عذابُ النكثِ عائدٌ عليه.
قوله جلّ ذكره: {وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
أي من قام بما عاهد الله عليه على التمام فسيؤتيه أجرًا عظيمًا.
وإذا كان العبد بوصف إلخلاصِه، ويعامِل اللَّهَ في شيءٍ هو به متحقِّقٌ، وله بقلبه شاهدٌ فإنَّ الوسائطَ التي تُظْهِرُهاَ أماراتُ التعريفاتِ تجعله محوًا في أسرارِه والحكم عندئذ راجعٌ.
قوله جلّ ذكره: {سَيَقول لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقولونَ بِأَلْسٍنَتِهِم مَّا لَيْسَ في قُلُوبِهِمْ}.
لمَّا قَصَدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية تخلَّفَ قومٌ من الأعراب عنه. قيل: هم أسلم وجهينة وغفار ومزينة واشجع، وقالوا: {شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا} وليس لنا مَنْ يقوم بشأننا وقالوا: انظروا ماذا يكون؛ فما هم من قريش إلاَّ أكَلَهُ رأسٍ. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوه مُعْتَذِرين بأنه لم يكن لهم أحدٌ يقوم بأَمورهم! وقالوا: استغفر لنا.
فأطلعه الله-سبحانه- على كذبهم ونفاقهم؛ وأنهم لا يقولون ذلك إخلاصًا، وعندهم سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم، فإنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم.
قوله جلّ ذكره: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَأدَ بِكُمْ نَفْعَا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرَا}.
فضَحَهم. ويقال: ما شغل العبد عن الله شُؤمٌ عليه.
ويقال: عُذْرُ المماذِقِ وتوبةُ المنافِق كلاهما ليس حقائق.
قوله جلّ ذكره: {بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ في قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السُّوءِ وَكُنتُمْ قَوْمًَا بُورًا}.
حسبتم أن لن يرجعَ الرسول والمؤمنون من هذه السفرة إلى اهليهم أبدًا، وزَيَّنتْ لكم الأماني ألا يعودوا، وأنَّ الله لن ينصرهم.
{وَكُنتُمْ قَوْمَا بُورًا} أي هالكين فاسدين.
ويقال: إنَّ العدوَّ إذا لم يقدر أن يكيدَ بيده يتمنَّى ما تتقاصر عنه مُكنتُهُ، وتلك صفةُ كلِّ عاجز، ونعتُ كلّ لئيم، ثم إن الله- سبحانه- يعكس ذلك عليه حتى لا يرتفع مراده {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43].
ويقال: من العقوبات الشديدة التي يعاقِبُ اللَّهُ بها المُبْطِل أنْ يتصوَّرَ شيئًا يتمنَّاه يوطّن نَفَسْه عليه لفرط جَهْله. ويُلقى الحقُّ في قلبه ذلك التمني حتى تسول له نفسهُ أن ذلك كالكائن.. ثم يعذبه الله بامتناعه.
قوله جلّ ذكره: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرينَ سَعِيرًا}.
وما هوآتٍ فقريب وإنَّ الله ليرخي عنانَ الظَّلَمةِ ثم لا يفلتون من عقابه. وكيف- وفي الحقيقة- ما يحصل منهم هو الذي يجريه عليهم؟
قوله جلّ ذكره: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا}.
يغفرُ- وليس له شريك يقول له: لا تفعل، ويعذّب من يشاء- وليس هناك مانعٌ عن فعله يقول له: لا تفعل.
قوله جلّ ذكره: {سَيَقول الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انَطَلْقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ اللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا}.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لما رجعوا من الحديبية وعدهم اللَّهُ خيبرَ، وأنَّ فيها سيظفرُ بأعدائه، فلمَّا هَمَّ بالخروج أراد هؤلاء المخلفون أن يتبعوه لما علموا في ذلك من الغنيمة، فقال النبي صلى الله عليه ويسلم: «إنما يخرج معي إلى خيبر من خرج إلى الحديبية والله بذلك حكم ألا يخرجوا معنا».
فقال المتخلفون: إنما يقول المؤمنون ذلك حَسدًا لنا؛ وليس هذا من قول الله! فأنزل اللَّهُ تعالى ذلك لتكذيبهم، ولبيان حكمه ألا يستصحبَهم فهم أهل طمع، وكانت عاقبتُهم أنهم لم يجدوا مرادَهم ورُدُّوا بالمذلة وافتضح أمرهم.
{قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (16) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (17)}.
جاء في التفاسير انهم أهلُ اليمامة أصحاب مسيلمة- وقد دعاهم أبو بكر وحاربهم، فالآية تدل على إمامته وقيل هم أهل فارس- دعاهم عمر بن الخطاب وحاربهم؛ فالآيةُ تدل عل صحة إمامته. وصحة إمامته تدل على صحة إمامة أبي بكر.
{أُوْلِى بَأسٍ شَدِيدٍ} أولى شدَّة. فإنْ أطعتُم استوجبتم الثواب، وإن تخلَّفْتم استحقَقْتُم العقاب. ودلت الآيةُ على أن يجوز ان تكون للعبد بدايةٌ غيرُ مُرضية ثم يتغير بعدها إلى الصلاح- كما كان لهؤلاء وأنشدوا:
إذا فَسَدَ الإنسانُ بعد صلاحه ** فَرِّج له عَوْدَ الصلاح لعلَّه

قوله جلّ ذكره: {لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيضِ حَرجٌ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِها الأَنْهّارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا}.
وهؤلاء اصحاب الأعذار رفع عنهم الحَرَج في تخلفهم عن الوقعة في قتال المشركين.
وكذلك مَنْ كان لهُ عذرٌ في المجاهدة مع النفس. «فإنَّ الله يحُبُّ أن تؤتى رُخصَهُ كما يحب أن تؤتى عزائمه».
قوله جلّ ذكره: {لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عَنِ المُؤْمِنينَ إِذْ يُبَايِعُونكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا في قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}.
هذا بيعة الرضوان، وهي البيعة تحت الشجرة بالحديبية، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى: {لَّقَدْ رَضِىَ اللَّهُ عِنِ الْمُؤْمِنِينَ}.
وكانوا ألفًا وخمسمائة وقيل وثلاثمائة وقيل وأربعمائة. وكانوا قصدوا دخولَ مكة، فلما بلغ ذلك المشركين قابلوهم صادِّين لهم عن المسجد الحرام مع أنه لم يكن خارجًا لحرب، فقصده المشركون، ثم صالحوه على أن ينصرفَ هذا العام، ويقيم بها ثلاثًا ثم يخرج، (وأن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام يتداخل فيها الناس ويأمن بعضهم بعضا) وكان النبي قد رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين، فبشر بذلك أصحابه، فلما صدهم المشركون خامر قلوبَهم، وعادت إلى قلوب بعضهم تهمةٌ حتى قال الصَّدِّيقُ: لم يَقُلْ العام! فسكنت قلوبهم بنزول الآية؛ لأن الله سبحانه علم في قلوبهم من الاضطراب والتشكك. فأنزل السكينة في قلوبهم. وثبَّتهم باليقين.
{وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} هو فتحُ خيبر بعد مدة يسيرة، وما حصلوا عليه من مغانم كثيرةٍ من خيبر. وقيل ما يأخذونه إلى يوم القيامة.
وفي الآية دليلٌ على أنه قد تخطر ببال الإنسان خواطرُ مُشكِّكة، وفي الرَّيب موقعة ولكن لا عبرة بها؛ فإنّ الله سبحانه إذا أراد بعبد خيرًا لازم التوحيدُ قلبَه، وقارن التحقيق سِرَّه فلا يضرُّه كيدُ الشيطان، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّن الشَّيَطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].
{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} ويدخل في ذلك جميعُ ما يغنمه المسلمون إلى القيامة فعجَّل لكم هذه- يعني خيبر، وقيل: الحديبية.
{وَكَفَّ أَيْدِىَ النَّاسِ عَنكُمْ} لما خرجوا من المدينة حرسهم اللَّهُ، وحفظ عيالهم، وحمى بَيْضَتهم حين هبَّ اليهود في المدينة بعد خروج المسلمين، فمنعهم اللَّهُ عنهم. أويقال: كفَّ أيدي الناس من أهل الحديبية.
{وَلِتَكُونَ ءَايَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}.
لتكون هذه آيةٌ للمؤمنون وعلامةٌ يَسْتدلُّون بها على حراسة الله لهم.
{وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا}: في التوكل على الله والثقة به.
ويقال: كفُّ أيدي الناس عن العبد هو أنْ يَرْزُقَه من حيث لا يحتسب، لئلا يحتاجَ إلى أن يتكفَّفَ الناس.
ويقال: أنْ يَرْفَعَ عنه أيدي الظَّلَمة.
ويقال: ألا تحمله المطالبةُ بسبب كثرة العيال ونفقتهم الكبيرة على الخطر بدينه؛ فيأخذ من الأشياء- برخصة التأويل- ما ليس بطيِّبٍ.
قوله جلّ ذكره: {وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا}.
قيل: فتح الروم وفارس. وقيل: فتح مكة.
وكان الله على كل شيءٍ قديرًا: فلا تُعلِّقوا بغيره قلوبكم.
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوَلَّوُاْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}.
يعني: خيبر وأسد وغطفان وغيرهم- لو قاتلوكم لانهزموا، ولا يجدون من دون الله ناصرًا.
قوله جلّ ذكره: {سُنَّةَ اللَّهِ التي قَدْ خَلتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.
أي سُنَّةُ اللَّهِ خذلانُهم ولن تَجد لسنة الله تحويلًا.
قوله جلّ ذكره: {وهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وََأيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا}.
قيل إن سبعين رجلًا من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون قتله (فأخذناهم سِلْمًا فاستحييناهم) فأنزل اللَّهُ هذه الآيةَ في شآنهم.
وقيل أخذ اثنى عشر رجلًا من المشركين- بلا عَهْدٍ- فَمنَّ عليهم الرسولُ صلى الله عليه وسلم وقيل: هم أهل الحديبية كانوا قد خرجوا لمنع المسلمين، وحصل ترامي الأحجار بينهم؛ فاضطرهم المسلمون إلى بيوتهم، فأنزل اللَّهُ هذه الآية يمن عليهم حيث كف أيدي بعضهم عن بعض عن قدرة المسلمين، لا من عجزٍ؛ فأما الكفار فكفُّوا أيديهم رُعْبًا وخوفًا؛ وأمَّا المسلمون فَنَهيًا مِنْ قِبَلِ الله، لما في أصلابهم من المؤمنين_ أراد الله أن يخرجوا، أو لِمَا عَلِمَ أن قومًا منهم يؤمنون.
والإشارة فيه: أن من الغنيمة الباردة والنعم السنية أن يَسْلَم الناسُ منك، وتسلم منهم. وإن الله يفعل بأولياءه ذلك، فلا من أَحد عليهم حَيف، ولا منهم على أحد حيفٌ ولا حسابٌ ولا مطالبة ولا صلحٌ ولا معاتبة، ولا صداقة ولا عداوة. وكذا من كان بالحق- وأنشدوا:
فلم لي يبْقَ وقتٌ لِذكرِ مُخَالِفٍ ** ولم يبق لي قلبٌ لذكر موافق

قوله جلّ ذكره: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ وَالهَدْىَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}.
{كَفَرُواْ} وحجدوا، {وَصَدُّكُمْ} ومنعوكم عن المسجد الحرام سنة الحديبية.
{وَالْهَدْىَ مَعْكُوفًا}: أي منعوا الهَدْيَ أن يبلغَ مَنحرَه، فمعكوفًا حالٌ من الهدي أي محبوسًا.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق تلك السَّنَة سبعين بَدَنَةٌ.
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةُ بِغَيْرِ عِلْمٍ لّيُدخِلَ اللّهُ في رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ}.
لو تسلطتم عليهم لأصابتهم معرة ومضرَّة منكم بغير علم لَسَّلْطناكم عليهم ولأظفرناكم بهم. وفي هذا تعريفٌ للعبد بأن أمورًا قد تنغلق وتَتَعَسّر فيضيق قلب الإنسان.. ولله في ذلك سِرُّ، ولا يعدم ما يجري من الأمر أن يكون خيرًا للعبد وهو لا يدري، كما قالوا:
كم مرة حفَّت بك المكاره ** خير لك اللَّهُ وأنت كاره

قوله جلّ ذكره: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفرُواْ في قُلُوبِهِمُ الْحَمْيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِليَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُواْ أحقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمًا}.
يعني الأنفة؛ أي دَفَعْتهم أنفةُ الجاهليه أن يمنعوكم عن المسجد الحرام سَنَةَ الحديبية، فأنزل اللَّهُ سكينته في قلوب المؤمنين حيث لم يقابلوهم بالخلاف والمحاربة، ووقفوا واستقبلوا الأمر بالحِلْم.
{وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} وهي كلمة ُ التوحيد تَصْدُرُ عن قلبِ صادق: فكلمةُ التقوى يكون معها الاتقاءُ من الشَّرْك.